الريامة في إمارة الفجيرة واحة بين الجبال الملونة تقع على مجرى وادي الجريف

على بُعد 80 كيلومتراً من مدينة الفجيرة تقع منطقة الريامة وسط سلسلة من الجبال الشاهقة الارتفاع والمتصلة ببعضها بعضاً وذات ألوان مختلفة . وتشتهر هذه المنطقة بوجود عدد كبير من المزارع المنتوعة، حيث توجد بها مزارع التمور والفواكه والحمضيات، إضافة إلى محاصيل الخضراوات والحبوب المتنوعة، ويرجع ذلك إلى تميز المنطقة بوجود آبار وبرك المياه العذبة بشكل كبير، إضافة إلى طقسها الجاف والمعتدل طوال أيام السنة بسبب ارتفاعها عن سطح البحر . وتتميز المنطقة بانخفاض درجات الحرارة صيفاً وبالبرودة في الشتاء، ما جعلها واحة خضراء جذابة، فضلاً عن وقوعها على مجرى وادٍ كبير يسمى وادي الجريف، وهو أحد الوديان الكثيرة التي تمر من أراضيها أهمها أودية وعب المصلى والأثب ونيد المصلى وكلها تتجمع فيها مياه الأمطار سنوياً بشكل كبير ويستخدمها الأهالي في ري المزروعات .

وتتميز المنطقة بتوافر العسل الجبلي البري الذي يجمعه الأهالي من الجبال والأشجار البرية .

يسكن هذه المنطقة قبيلتا اليماحي والحمودي في مساكن شعبية حديثة بنيت بعد قيام الاتحاد، ويحتفظ الأهالي بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة المتوارثة عن الأجداد . واهتم أهالي الريامة منذ القدم بتربية المواشي والأغنام والجمال، إضافة إلى الزراعة .

عبر الطريق المؤدي من مدينة الفجيرة إلى الطويين والرويفة، وباتجاه الشمال، وعبر واحات خضراء جذابة ومساحات واسعة من الأراضي المنبسطة والمملوءة بالمياه ووسط سلسلة من الجبال الملونة، وصلنا إلى قرية الريامة .

وقبل جولتنا بالمنطقة، توجهنا إلى بيت الحاج سعيد بخيت اليماحي (70 عاماً) وحدثنا عن الحياة في الماضي على أرض الريامة، فقال: حياتنا في الماضي كانت صعبة حتى قيام الاتحاد، فبعده بسنة واحدة بنيت المساكن الشعبية الحديثة القادرة على حمايتها من الظروف الجوية المتقلبة التي كانت تصيب الأهالي بالخوف نظراً لطبيعة المكان الواقع في أسفل سفوح الجبال العالية ولطبيعة البيوت القديمة المبنية من الطين والحجارة وسعف وجريد النخيل .

وأضاف اليماحي: كنا نعتمد في حياتنا في الماضي بشكل أساسي على الزراعة وجمع العسل البري وتجارة المحاصيل الزراعية والعسل لتوفير احتياجاتنا اليومية، وذلك عبر بيعها أو مقايضتها مع التجار الإيرانيين الذين كانوا يأتون بجمالهم وخيولهم وحميرهم إلى المنطقة كل موسم محملة باحتياجات الأسر من دقيق وأرز وملح وزيت وقهوة وبعض الأقمشة وملابس النساء .

ويشير اليماحي إلى أن حياة الماضي، برغم ظروفها القاسية، كانت أفضل من الحياة الآن نظراً لوجود التقارب والتراحم بين جميع الأهالي في الماضي قبل الانشغال بالوظائف وتشعب الاهتمامات .

علي عبدالله الحمودي (60 عاماً) يقول: المرأة في الماضي كان لها الدور الكبير والمهم في العديد من الأعمال، وكانت تعاون الرجل في كل أعمال الحياة، حيث تقوم برعي الأغنام وحلب الأبقار وجلب الماء والحشاش من المزارع والأودية الموجودة بالمنطقة، إضافة إلى رعاية المزارع والقيام بجميع أعمال الزراعة . وكانت المرأة تهتم أيضاً بتربية أبنائها على أحسن وجه .

ويشير الحمودي إلى تغيرات الحياة، فيقول: كنا في الماضي نصوم رمضان من دون كهرباء أو مكيفات كما هي الحال اليوم، وكان الناس لا يتعطلون عن أعمالهم، وكان هناك مدفع يعلن عن قدوم شهر رمضان الفضيل لكي يستعد الأهالي لصومه، وكان بعضهم يطلق النار ليعرفوا جيرانهم بموعد قدوم الشهر، وبعض الأهالي في المنطقة والمناطق المجاورة للريامة كانوا يذهبون إلى منطقة دبا الفجيرة والفجيرة ليعرفوا موعدي العيد ورمضان ولشراء بعض احتياجات الأهالي في المناسبتين .

وكان سكان البيوت القريبة، حسب الحمودي، يفطرون جماعة ويصلون التراويح معاً، وبعد ذلك يبدأ السهر والسمر حتى وقت السحور، وبعدها يصلون الفجر والكل يذهب إما إلى بيته أو عمله في المزرعة أو رعي الأغنام .

علي محمد علي الحمودي (60 عاماً) يشير إلى أن بعض أهالي القرية في الماضي عاشوا في بيوت قديمة تتميز بالبساطة وتخلو من التجهيزات الحالية .

ويقول: مازال البعض من أهالي المنطقة والمناطق المجاورة من مختلف الفئات العمرية يصر على إقامة بيوت العريش والجلوس فيها في المزارع القريبة من القرية وعلى سفوح الجبال المجاورة للمنطقة، وذلك لأنها تذكرهم بماضي الآباء والأجداد وتشعرهم بالمحبة والبركة .

ويضيف: حياة الأهالي قديماً ظلت صعبة حتى قيام الاتحاد، فبعده تبدلت الأوضاع وانتقل أهالي الريامة من بيوت قديمة بدائية إلى أخرى شعبية حديثة مجهزة بكل الخدمات .

وعن التعليم في الماضي في منطقة الريامة، يقول علي عبيد اليماحي (46 عاماً): كان التعليم يتم في منطقة الطوين، وكان يقوم على جهد المطوع في غياب المدارس . وكان أبناء القرية يجتمعون في مكان معين أو في مسجد وكان المطوع يعلّمهم القرآن الكريم قراءة وكتابة، ويعلّمهم أيضاً بعض الأحاديث النبوية، إضافة إلى بعض الأمور الدينية والدنيوية .

وكان المطوع في ذلك الوقت يحظى باحترام شديد من جميع الناس، وبعد انتشار التعليم المتطور أصبح أبناء الأهالي ينعمون به من بدايته حتى الجامعة .

سالم بن حمود الحمودي يقول: تشتهر منطقة الريامة عن غيرها من المناطق بسلسلة الجبال الشاهقة ذات الألوان المختلفة ومنها جبال الطويين والقرن والعقة، وهذه الجبال تشكّل مشهداً طبيعياً في موسم الأمطار والمياه تنحدر من أعلاها، وبعد ذلك تجري لتغذي أودية الريامة وآبارها الجوفية المملوءة بالمياه العذبة .

وأضاف: منطقة الريامة تتميز أيضاً بالهدوء الشديد ومناطقها الساحرة وكثرة وجود البرك وآبار المياه العذبة، ما أسهم في اشتهار المنطقة بالزراعة، ففيها قرابة 40 مزرعة .

عادات وتقاليد

سالم علي الحمودي (70 عاماً) يقول عن الزواج في الماضي: لم يكن مكلفاً وكانت الأفراح تستمر خمسة أيام قبل يوم الزفاف في بيت العريس أو أحد أقاربه، حيث تبدأ بالفرق الشعبية في أداء عروضها المختلفة التي كانت تعبّر عن السرور، وكنا نقيم المكسار وهو خيمة كبيرة مصنوعة من شراع السفن تنصب على أعمدة من خشب قوي، وكان للرجال خيمة وللنساء واحدة، وفيها توضع جميع أصناف الأطعمة الشعبية المعروفة لدى الجميع، وكان يتم استعراض كسوة العروس وذهبها للحضور، ثم تقدم مفاتيح بيت العريس لأم العروس وبعد ذلك يذهب الجميع للاستعداد لليلة العرس، وبعد الزواج كان يتم الاحتفال بالعروس في بيت زوجها لمدة أربعين يوماً باعتبارها جديدة عليهم وكانت تقوم النساء بزيارتها يومياً وذلك لمساعدتها على تقبل الحياة الجديدة .

عبدالله سعيد اليماحي (43 عاماً) يشير إلى تميز أهالي منطقة الريامة بالتراحم والمحبة في ما بينهم، كما أنهم جميعهم كرماء ويعتزون بأصولهم وتقاليدهم .

سعود عبيد اليماحي (33 عاماً) يقول: أصبحت المنطقة حيوية مرتبطة بجميع المناطق المجاورة بطرق معبدة لأنها شهدت تحولات كبيرة لم تكن موجودة قبل قيام الاتحاد .

راشد محمد الحمودي (35 عاماً) يوضح أن منطقة الريامة مكونة من نحو 50 بيتاً، وأن الطرق والخدمات التي تنعم بها خلّصتها من كل معاناة الماضي، خاصة وقت انحدار المياه ناحية البيوت والمزارع .

الخليج – بكر المحاسنة

Related posts